الميلاد :
وُلد الإمام الباقر في الأول من رجب
سنة 57 هجرية في المدينة المنورة ، وهو خامس أئمة أهل
البيت ( عليهم السلام ) .
أبوه الإمام زينُ العابدين ( عليه
السلام ) ، وأمّه " فاطمة " من ذرّية الإمام الحسن
المجتبى ( عليه السلام ) .وعلى هذا فأن الإمام الباقر
( عليه السلام ) هو أوّل إمام ينحدر من رسول الله أباً
وأماً .
أدرك الإمام الباقرُ جدَّه الحسين (
عليه السلام ) ، وكان عمره أربعة أعوام حين وقعتْ
مذبحةُ كربلاء .وعاش مع والده السجّاد ( عليه السلام )
خمساً وثلاثين سنة ، وعاش بعد والده ثمانية عشر عاماً
وهي مدّة إمامته ، انصرف فيها إلى نشر العلوم والمعرفة
الإسلامية .
وسُمّي بالباقر من بقر الأرض أي شقّها
وأخرج مخبآتها ، فهو قد أخرج كنوز العلم والمعرفة ،
فسمّاه الناسُ الباقر ، وله ألقاب أخرى تدلّ على صفاته
الأخلاقية ؛ منها : الشاكر والهادي .
صادفه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله
الأنصاري وهو صغير ، فقال له : يسلّم عليك رسولُ الله
. فتعجّب الناس . فقال لهم جابر : كنت جالساً عند رسول
الله ذات يوم وفي حجره الحسين ( عليه السلام ) يداعبه
، فقال لي :
يا جابر يولد له مولود ، اسمه علي ،
إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ :
لِيقم سيدُ العابدين ، ثمّ يولد من علي
ولدٌ اسمه محمد يبقر العلم بقرا فإن أدركته يا جابر
فاقرأه عنّي السلام .
وكانت للإمام بساتين يعمل فيها بيده ،
ويشارك الفلاحين طعامهم ، وكان يُنفق ريعها على
الفقراء والمحتاجين ، وكان في ذلك أسخى أهل زمانه .
وقد ورد في كتب التاريخ أن " محمد بن
المنكدر " ، وكان متصوفاً ، قال : ما كنت أرى أن مثل
علي بن الحسين يدع خلفاً أفضل حتى رأيت ابنه " محمداً
( عليه السلام ) أردت أن أعظه فوعظني ، خرجت إلى بعض
نواحي المدينة في ساعة حارّة ، فلقيت محمدَ بن علي (
عليه السلام ) وهو متكئ على غلامين له ، فقلت في نفسي
: شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في
طلب الدنيا ، والله لأعظنّه ، فدنوت منه وسلّمت عليه ،
فسلّم عليّ وكان يتصبّب عرقاً ، فقلت : أصلحك الله ،
شيخاً من أشياخ قريش في هذه الساعة في طلب الدنيا .
كيف لو جاءك الموت وأنت على هذه الحالة ؟!
فخلّى الإمام يديه عن الغلامين وتساند
وقال " لو جاءني – والله – الموت وأنا على هذه الحال ،
جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله أكفّ بها نفسي عنك
وعن الناس ، وإنّما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على
معصية من معاصي الله .
فقلت : يرحمك الله أردت أن أعظك
فوعظتني .
كان موقف الإمام حازماً لكي يدرك الناس
أن طلب الرزق عبادة وطاعة لله ، لا ترك العمل
والانقطاع للصلاة والعيش عبئاً على الآخرين كما يفعل
المتصوفون من أمثال بن المنكدر وغيره .
منزلته العلمية
:
كان رجل من أهل الشام يتردّد على مجلس
الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) ؛ وكان يقول له :
لا يوجد أحد في الأرض أبغض إليّ منكم وإنّ طاعة الله
وطاعة رسول الله في بغضكم ، ولكن أراك رجلاً فصيحاً لك
أدب وحسن لفظ ، وأن حضوري مجلسك هو لحسن أدبك ، وكان
الإمام في كل مرّة يقول له خيراً أو يقول له : لن تخفى
على الله خافية .
ومرّت أيام انقطع فيها الرجل الشامي ،
فافتقده الإمام وسأل عنه فقال بعضهم : إنه مريض .
ذهب الإمام لعيادته ، وجلس عنده يحدّثه
وسأله عن علّته ونصحه الإمام بتناول الأطعمة الباردة ،
ثم انصرف .
مضّت أيام ونهض الشامي من فراشه بعد أن
عوفي من مرضه ، فكان أول شيء فعله هو أن انطلق إلى
مجلس الإمام واعتذر إليه ، وأصبح من أصحابه .
وسأل رجلٌ عبدَ الله بن عمر بن الخطاب
عن مسألة فحار في جوابها ثم قال له : اذهب إلى ذلك
الغلام فسله وأعلمني بالجواب ، وأشار إلى محمدٍ الباقر
. فجاءه الرجل وسأل الإمام وعاد إلى ابن عمر .
حوار مع عالم
نصراني :
روى الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه
كان في الشام مع أبيه عندما استدعاه هشام بن عبد الملك
.
وذات يوم رأى في أحد الميادين جموعاً
من الناس تنتظر ، فسأل عن ذلك فقالوا له : إنهم
ينتظرون عالِمهم وهو لا يخرج في العام إلا مرّة
فيسألونه ويستفتونه ، فجلس الإمام معهم حتى جاء العالم
النصراني ، وعندما رأى النصرانيُّ الإمامَ ( عليه
السلام ) سأله : هل أنت منّا أم من هذه الأمة المرحومة
؟
فقال الباقر ( عليه السلام ) : بل مِن
الأمة المرحومة .
فقال النصراني : مِن جُهّالها أم
علمائها ؟ .
فقال الإمام : لستُ من جُهّالها .
فقال العالم النصراني : لديَّ أسئلة :
من أين ادّعيتم أن أهل الجنّة يأكلون
ويشربون ولا يتبوّلون ؟
فقال الإمام : دليلُنا الجنين في بطْن
أمّه يُطعم فلا يُحدث .
فقال العالم النصراني : أخبرني عن ساعة
لا هي من ساعات الليل ولا من ساعات النهار .
فقال الإمام : الساعة بين طلوع الفجر
وطلوع الشمس . . يهدأ فيها المبتلى ويرقد فيها الساهر
.
فوجئ النصراني بأجوبة الإمام ، فأراد
أن يفحمه بسؤال جديد ، فقال : اخبرني عن مولودَين
وُلدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد ، عُمر أحدهما
خمسون سنة وعمْر الآخر مائة وخمسون سنة .
فقال الإمام
: عُزير وأخوه ، وكان عمر عزير خمسة وعشرون سنة . .
مرّ على قرية بأنطاكية وهي خاوية على عروشها فقال :
{أنّى يُحيى هذه الله بعد موتها } . فأماته الله مائة
عام ثم بعثه ، وعاد إلى داره شابّاً ، فيما كان أخوه
شيخاً كبيراً طاعناً في السن ، فعاش مع أخيه خمساً
وعشرين سنة ، ثم مات مع أخيه في يوم واحد .
وتعجّب العالم النصراني من سعة علم
الإمام ، فأعلن إسلامه أمام الملأ كما أسلم أصحابه .
في مجلس هشام :
بعث هشام بن عبد الملك وراء الإمام
محمد الباقر ( عليه السلام ) وابنه جعفر الصادق ،
فغادرا المدينة إلى الشام .
كان هدف هشام أن يستعرض أبهة الملك
فدخل عليه الإمام ، وكان جالساً على سرير الملك ،
وحوله الجند مسلحين وبين يديه عِلية القوم يرمون هدفاً
بالسهام ، فقال : يا محمد اِرم مع أشياخ قومك هذا
الغرض .
فقال الإمام : إني قد كبرت عن الرمي
فاعفني .
رفض هشام وأصرّ على الإمام وأشار إلى
شيخ من بني أمية أن يناوله القوس . فأخذ الإمام القوس
وتناول سهماً فوضعه فيه وسدّد نحو الهدف فأصاب مركزه ،
ثم تناول الثاني فأصاب المركز مرّة أخرى . . حتى
تكاملت تسعة أسهم .
دهش هشام لبراعة الإمام ومهارته
الفائقة فهتف : أجدت يا أبا جعفر ، أنت أرمى العرب
والعجم . . هذا وأنت تقول : كبرت عن الرمي .
ثم قاد الإمام وأجلسه عن يمينه وقال :
يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش مادام فيهم
مثلك ، لله درّك ! مَن علّمك هذا الرمي ؟ وفي كم
تعلّمته ؟
فقال الإمام : تعلّمته أيام حداثتي ثم
تركته .
فقال هشام : ما أظن أن في الأرض أحداً
يرمي مثل هذا الرمي . أيرمي جعفر مثل رميك ؟
فقال الإمام : نحن أهل بيت نتوارث
الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيه (صلى
الله عليه وآله ) في قوله تعالى : {اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } .
فقال هشام وقد احمرّ غضباً : من أين
ورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي ولا أنتم أنبياء ؟
فقال الإمام : ورثناه عن جدّنا علي (
عليه السلام ) وقد قال : علّمني رسول الله ألف باب من
العلم . . ينفتح عن كل باب ألفُ باب .
ظلّ هشام ساكتاً يفكّر ، ثم أمر بإعادة
الإمام وابنه إلى المدينة بأسرع وقت خوفاً من أن يتّجه
الناس إليه .
النقد الإسلامي
:
كانت الاشتباكات على الحدود عنيفة بين
الدولة الإسلامية ودولة الروم ، فهدّد امبراطورُ الروم
عبدَ الملك بن مروان بقطع النقد عن الدولة الإسلامية
إذا لم يتنازل عن المناطق المتنازع عليها ، فارتاع عبد
الملك ولم يدْرِ ما يصنع ، وجمع أعيانَ المسلمين
يستشيرهم فلم ينتهوا إلى نتيجة ، فأشار بعضهم بالرجوع
إلى الإمام الباقر .
أرسل عبد الملك يدعو الإمام إلى الشام
، ولبّى الإمام الدعوة ، وعندما عرضت عليه الأزمة ،
قال الإمام لعبد الملك : لا يهولنكّ ما ترى أرسِل إلى
ملك الروم واستمهله مدّة من الزمن ، وخلال هذه المدّة
أرسل إلى حكام المدن والأقاليم وَ أمرهم بجمْع الذهب
والفضة ، حتى إذا توفّرت الكمية المناسبة ، باشِر بضرب
النقود الإسلامية .
ثم حدّد له الإمام وزنها وشكلها ،
وأمره أن يكتب على أحد وجهيها : " محمد رسول الله " ،
فإذا انتهى العمل منها يمنع التعامل بالنقد الرومي
وعندها لا يبقى لإمبراطور الروم نفوذاً يستغلّه ضد
الدولة الإسلامية .
ولما انتهى العمل وتوفر النقد الإسلامي
، بعث عبد الملك رأيه النهائي في مسالة الحدود ، ولم
يجد إمبراطور الروم وسيلة للضغط الاقتصادي فاختار
الحلّ العسكري ، ولكنه أخفق في ذلك أيضاً بعد أن تصدّى
المسلمون لجيوشه .
وهكذا أنقذ الإمام الباقر دولة الإسلام
من استغلال الأعداء وأصبح لهم نقد مستقل يحمل شعار
الإسلام .
أصحاب الإمام :
توفرت للإمام الباقر فرصة حسنة لنشر
العلم وإرساء معالم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام )
بعد أن انصرف الأمويون إلى إخماد القلاقل هنا وهناك .
وقد برز في عهد الإمام بعض تلاميذه
الذين كان لهم دور كبير في نشر معارف أهل البيت (
عليهم السلام ) ؛ وفي طليعتهم :
1.
أبان بن
تغلب : وقد عاصر ثلاثة من أئمة أهل بيت ( عليهم السلام
) ، فقد حضر مجالسِ الإمام السجّاد والإمام الباقر كما
لازم الإمام الصادق ( عليهم السلام ) ولكنه أخذ عن
الإمام الباقر أكثر . وكان متفوِّقاً في علوم الفقه
والحديث والأدب واللغة والتفسير والنحو ، وقد قال له
الإمام الباقر : اجلس في مسجد المدينة وَافْتِ الناس
فإنّي أحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك .
2.
زرارة بن
أعين : قال فيه الإمام الصادق ( عليه السلام ) : لولا
زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب . وكان يترحّم عليه
قائلاً : رحم اللهُ زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه
لاندرست أحاديث أبي .
3.
محمد بن
مسلم الثقفي : كان الإمام الصادق يجلّه و يحبّه ؛ وهو
أحد الأربعة الذين قال فيهم الصادق ( عليه السلام ) :
أربعة أحبّ الناس إليّ أحياء وأمواتاً ، كما أمر بعض
أصحابه بالرجوع إليه قائلاً : سمع أحاديث أبي وكان
عنده وجيهاً ، وكان محمد بن مسلم يقول : سألت أبا جعفر
الباقر عن ثلاثين ألف حديث .
وقد أثنى الإمامُ الصادق على أصحاب
أبيه ، وكان يقول : لو أنّ أصحابي سمعوا وأطاعوا
لأودعتهم ما أودع أبي أصحابه . . . إنّ أصحاب أبي
كانوا زيناً لنا أحياءً و أمواتاً .
ومن أصحاب الإمام الباقر أيضاً :
الكميت الأسدي الشاعرُ المعروف كان الإمام الباقر يقول
– كلما لقاه : اللهم اغفر للكميت .
شهادة الإمام :
على الرغم من انصراف الإمام الباقر إلى
العلم ونشر الدين فإنّ حكّام بني أميّة لم يكونوا
يتحملون وجوده ؛ خاصّة يعد أن عرف الناس فضله وعلمه ،
وبهرتْهم شخصيّتُه الأخلاقية والإنسانية ، كما أن
انتسابه إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عزَّز من
مكانته في قلوب المسلمين .
كان هشام يفكر في القضاء على الإمام ،
وأخيراً سنحتْ له الفرصة فدسّ له السمّ ، واستشهد
الإمام في 7 ذي الحجة سنة 114 هجرية . بعد أن عاش 57
سنة قضاها في التقوى والصلاح وخدمة الإسلام والمسلمين
ونشْر علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) .
من كلمات
المضيئة :
1.
ما دخل قلب
امرئ شيء من الكبر إلاّ نقص من عقله .
2.
عالم ينتفع
بعلمه أفضل من ألف عابد . . والله لموت العالم أحبّ
إلى إبليس من موت سبعين عابداً .
3.
قال لأحد
أولاده : يا بني إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل
شرّ ، إنّك إن كسلت لم تؤدِّ حقاً ، وإن ضجرت لم تصبر
على حق .
4.
كفى بالمرء
عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه ، وأن
يأمر الناس بما لا يستطيع التحوّل عنه وأن يؤذي جليسه
بما لا يعنيه .
5.
قال لأحد
أصحابه : أوصيك بخمس : إن ظُلمت فلا تَظلم ، وإن خانوك
فلا تخُن ، وإن كُذبت فلا تغضب ، وإن مُدحت فلا تفرح ،
وإن ذممت فلا تجزع .
هوية الإمام :
الاسم : محمّد .
اللقب : الباقر .
الكنية : أبو جعفر .
اسم الأب : السجّاد ( عليه السلام ) .
تاريخ الولادة : 1 رجب سنة 57 هجرية .
محل الولادة : المدينة المنورة .
تاريخ الشهادة : 7 ذي الحجة سنة 114
هجرية .
محل الدفن : البقيع / المدينة المنورة
.