جديد المكتبة

الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

قصة الإمام الباقر عليه السلام للناشئين والأطفال



بسم الله الرحمن الرحيم 

اللهم صلِ على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم 

قصة الإمام الباقر عليه السلام للناشئين والأطفال



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




الميلاد :

وُلد الإمام الباقر في الأول من رجب سنة 57 هجرية في المدينة المنورة ، وهو خامس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
أبوه الإمام زينُ العابدين ( عليه السلام ) ، وأمّه " فاطمة " من ذرّية الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) .وعلى هذا فأن الإمام الباقر ( عليه السلام ) هو أوّل إمام ينحدر من رسول الله أباً وأماً .
أدرك الإمام الباقرُ جدَّه الحسين ( عليه السلام ) ، وكان عمره أربعة أعوام حين وقعتْ مذبحةُ كربلاء .وعاش مع والده السجّاد ( عليه السلام ) خمساً وثلاثين سنة ، وعاش بعد والده ثمانية عشر عاماً وهي مدّة إمامته ، انصرف فيها إلى نشر العلوم والمعرفة الإسلامية .


وسُمّي بالباقر من بقر الأرض أي شقّها وأخرج مخبآتها ، فهو قد أخرج كنوز العلم والمعرفة ، فسمّاه الناسُ الباقر ، وله ألقاب أخرى تدلّ على صفاته الأخلاقية ؛ منها : الشاكر والهادي .

صادفه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري وهو صغير ، فقال له : يسلّم عليك رسولُ الله . فتعجّب الناس . فقال لهم جابر : كنت جالساً عند رسول الله ذات يوم وفي حجره الحسين ( عليه السلام ) يداعبه ، فقال لي :
يا جابر يولد له مولود ، اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ :
لِيقم سيدُ العابدين ، ثمّ يولد من علي ولدٌ اسمه محمد يبقر العلم بقرا فإن أدركته يا جابر فاقرأه عنّي السلام .

وكانت للإمام بساتين يعمل فيها بيده ، ويشارك الفلاحين طعامهم ، وكان يُنفق ريعها على الفقراء والمحتاجين ، وكان في ذلك أسخى أهل زمانه .

وقد ورد في كتب التاريخ أن " محمد بن المنكدر " ، وكان متصوفاً ، قال : ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين يدع خلفاً أفضل حتى رأيت ابنه " محمداً ( عليه السلام ) أردت أن أعظه فوعظني ، خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة ، فلقيت محمدَ بن علي ( عليه السلام ) وهو متكئ على غلامين له ، فقلت في نفسي : شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ، والله لأعظنّه ، فدنوت منه وسلّمت عليه ، فسلّم عليّ وكان يتصبّب عرقاً ، فقلت : أصلحك الله ، شيخاً من أشياخ قريش في هذه الساعة في طلب الدنيا . كيف لو جاءك الموت وأنت على هذه الحالة ؟!


فخلّى الإمام يديه عن الغلامين وتساند وقال " لو جاءني – والله – الموت وأنا على هذه الحال ، جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله أكفّ بها نفسي عنك وعن الناس ، وإنّما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله .
فقلت : يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني .

كان موقف الإمام حازماً لكي يدرك الناس أن طلب الرزق عبادة وطاعة لله ، لا ترك العمل والانقطاع للصلاة والعيش عبئاً على الآخرين كما يفعل المتصوفون من أمثال بن المنكدر وغيره .

منزلته العلمية :

كان رجل من أهل الشام يتردّد على مجلس الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) ؛ وكان يقول له : لا يوجد أحد في الأرض أبغض إليّ منكم وإنّ طاعة الله وطاعة رسول الله في بغضكم ، ولكن أراك رجلاً فصيحاً لك أدب وحسن لفظ ، وأن حضوري مجلسك هو لحسن أدبك ، وكان الإمام في كل مرّة يقول له خيراً أو يقول له : لن تخفى على الله خافية .

ومرّت أيام انقطع فيها الرجل الشامي ، فافتقده الإمام وسأل عنه فقال بعضهم : إنه مريض .
ذهب الإمام لعيادته ، وجلس عنده يحدّثه وسأله عن علّته ونصحه الإمام بتناول الأطعمة الباردة ، ثم انصرف 
مضّت أيام ونهض الشامي من فراشه بعد أن عوفي من مرضه ، فكان أول شيء فعله هو أن انطلق إلى مجلس الإمام واعتذر إليه ، وأصبح من أصحابه .

وسأل رجلٌ عبدَ الله بن عمر بن الخطاب عن مسألة فحار في جوابها ثم قال له : اذهب إلى ذلك الغلام فسله وأعلمني بالجواب ، وأشار إلى محمدٍ الباقر . فجاءه الرجل وسأل الإمام وعاد إلى ابن عمر .

حوار مع عالم نصراني :

روى الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه كان في الشام مع أبيه عندما استدعاه هشام بن عبد الملك .
وذات يوم رأى في أحد الميادين جموعاً من الناس تنتظر ، فسأل عن ذلك فقالوا له : إنهم ينتظرون عالِمهم وهو لا يخرج في العام إلا مرّة فيسألونه ويستفتونه ، فجلس الإمام معهم حتى جاء العالم النصراني ، وعندما رأى النصرانيُّ الإمامَ ( عليه السلام ) سأله : هل أنت منّا أم من هذه الأمة المرحومة ؟
فقال الباقر ( عليه السلام ) : بل مِن الأمة المرحومة .


فقال النصراني : مِن جُهّالها أم علمائها ؟ .
فقال الإمام : لستُ من جُهّالها .
فقال العالم النصراني : لديَّ أسئلة :
من أين ادّعيتم أن أهل الجنّة يأكلون ويشربون ولا يتبوّلون ؟
فقال الإمام : دليلُنا الجنين في بطْن أمّه يُطعم فلا يُحدث .
فقال العالم النصراني : أخبرني عن ساعة لا هي من ساعات الليل ولا من ساعات النهار .
فقال الإمام : الساعة بين طلوع الفجر وطلوع الشمس . . يهدأ فيها المبتلى ويرقد فيها الساهر .
فوجئ النصراني بأجوبة الإمام ، فأراد أن يفحمه بسؤال جديد ، فقال : اخبرني عن مولودَين وُلدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد ، عُمر أحدهما خمسون سنة وعمْر الآخر مائة وخمسون سنة .
فقال الإمام : عُزير وأخوه ، وكان عمر عزير خمسة وعشرون سنة . . مرّ على قرية بأنطاكية وهي خاوية على عروشها فقال : {أنّى يُحيى هذه الله بعد موتها } . فأماته الله مائة عام ثم بعثه ، وعاد إلى داره شابّاً ، فيما كان أخوه شيخاً كبيراً طاعناً في السن ، فعاش مع أخيه خمساً وعشرين سنة ، ثم مات مع أخيه في يوم واحد .
وتعجّب العالم النصراني من سعة علم الإمام ، فأعلن إسلامه أمام الملأ كما أسلم أصحابه .

في مجلس هشام :

بعث هشام بن عبد الملك وراء الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) وابنه جعفر الصادق ، فغادرا المدينة إلى الشام .


كان هدف هشام أن يستعرض أبهة الملك فدخل عليه الإمام ، وكان جالساً على سرير الملك ، وحوله الجند مسلحين وبين يديه عِلية القوم يرمون هدفاً بالسهام ، فقال : يا محمد اِرم مع أشياخ قومك هذا الغرض .
فقال الإمام : إني قد كبرت عن الرمي فاعفني .
رفض هشام وأصرّ على الإمام وأشار إلى شيخ من بني أمية أن يناوله القوس . فأخذ الإمام القوس وتناول سهماً فوضعه فيه وسدّد نحو الهدف فأصاب مركزه ، ثم تناول الثاني فأصاب المركز مرّة أخرى . . حتى تكاملت تسعة أسهم .


دهش هشام لبراعة الإمام ومهارته الفائقة فهتف : أجدت يا أبا جعفر ، أنت أرمى العرب والعجم . . هذا وأنت تقول : كبرت عن الرمي .
ثم قاد الإمام وأجلسه عن يمينه وقال : يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش مادام فيهم مثلك ، لله درّك ! مَن علّمك هذا الرمي ؟ وفي كم تعلّمته ؟
فقال الإمام : تعلّمته أيام حداثتي ثم تركته .
فقال هشام : ما أظن أن في الأرض أحداً يرمي مثل هذا الرمي . أيرمي جعفر مثل رميك ؟
فقال الإمام : نحن أهل بيت نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيه (صلى الله عليه وآله ) في قوله تعالى : {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } .
فقال هشام وقد احمرّ غضباً : من أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي ولا أنتم أنبياء ؟
فقال الإمام : ورثناه عن جدّنا علي ( عليه السلام ) وقد قال : علّمني رسول الله ألف باب من العلم . . ينفتح عن كل باب ألفُ باب .
ظلّ هشام ساكتاً يفكّر ، ثم أمر بإعادة الإمام وابنه إلى المدينة بأسرع وقت خوفاً من أن يتّجه الناس إليه .

النقد الإسلامي :

كانت الاشتباكات على الحدود عنيفة بين الدولة الإسلامية ودولة الروم ، فهدّد امبراطورُ الروم عبدَ الملك بن مروان بقطع النقد عن الدولة الإسلامية إذا لم يتنازل عن المناطق المتنازع عليها ، فارتاع عبد الملك ولم يدْرِ ما يصنع ، وجمع أعيانَ المسلمين يستشيرهم فلم ينتهوا إلى نتيجة ، فأشار بعضهم بالرجوع إلى الإمام الباقر .
أرسل عبد الملك يدعو الإمام إلى الشام ، ولبّى الإمام الدعوة ، وعندما عرضت عليه الأزمة ، قال الإمام لعبد الملك : لا يهولنكّ ما ترى أرسِل إلى ملك الروم واستمهله مدّة من الزمن ، وخلال هذه المدّة أرسل إلى حكام المدن والأقاليم وَ أمرهم بجمْع الذهب والفضة ، حتى إذا توفّرت الكمية المناسبة ، باشِر بضرب النقود الإسلامية .
ثم حدّد له الإمام وزنها وشكلها ، وأمره أن يكتب على أحد وجهيها : " محمد رسول الله " ، فإذا انتهى العمل منها يمنع التعامل بالنقد الرومي وعندها لا يبقى لإمبراطور الروم نفوذاً يستغلّه ضد الدولة الإسلامية .
ولما انتهى العمل وتوفر النقد الإسلامي ، بعث عبد الملك رأيه النهائي في مسالة الحدود ، ولم يجد إمبراطور الروم وسيلة للضغط الاقتصادي فاختار الحلّ العسكري ، ولكنه أخفق في ذلك أيضاً بعد أن تصدّى المسلمون لجيوشه .
وهكذا أنقذ الإمام الباقر دولة الإسلام من استغلال الأعداء وأصبح لهم نقد مستقل يحمل شعار الإسلام .

أصحاب الإمام :

توفرت للإمام الباقر فرصة حسنة لنشر العلم وإرساء معالم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام ) بعد أن انصرف الأمويون إلى إخماد القلاقل هنا وهناك .


وقد برز في عهد الإمام بعض تلاميذه الذين كان لهم دور كبير في نشر معارف أهل البيت ( عليهم السلام ) ؛ وفي طليعتهم :
1. أبان بن تغلب : وقد عاصر ثلاثة من أئمة أهل بيت ( عليهم السلام ) ، فقد حضر مجالسِ الإمام السجّاد والإمام الباقر كما لازم الإمام الصادق ( عليهم السلام ) ولكنه أخذ عن الإمام الباقر أكثر . وكان متفوِّقاً في علوم الفقه والحديث والأدب واللغة والتفسير والنحو ، وقد قال له الإمام الباقر : اجلس في مسجد المدينة وَافْتِ الناس فإنّي أحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك .
2. زرارة بن أعين : قال فيه الإمام الصادق ( عليه السلام ) : لولا زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب . وكان يترحّم عليه قائلاً : رحم اللهُ زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي .
3. محمد بن مسلم الثقفي : كان الإمام الصادق يجلّه و يحبّه ؛ وهو أحد الأربعة الذين قال فيهم الصادق ( عليه السلام ) : أربعة أحبّ الناس إليّ أحياء وأمواتاً ، كما أمر بعض أصحابه بالرجوع إليه قائلاً : سمع أحاديث أبي وكان عنده وجيهاً ، وكان محمد بن مسلم يقول : سألت أبا جعفر الباقر عن ثلاثين ألف حديث .
وقد أثنى الإمامُ الصادق على أصحاب أبيه ، وكان يقول : لو أنّ أصحابي سمعوا وأطاعوا لأودعتهم ما أودع أبي أصحابه . . . إنّ أصحاب أبي كانوا زيناً لنا أحياءً و أمواتاً .
ومن أصحاب الإمام الباقر أيضاً : الكميت الأسدي الشاعرُ المعروف كان الإمام الباقر يقول – كلما لقاه : اللهم اغفر للكميت .

شهادة الإمام :

على الرغم من انصراف الإمام الباقر إلى العلم ونشر الدين فإنّ حكّام بني أميّة لم يكونوا يتحملون وجوده ؛ خاصّة يعد أن عرف الناس فضله وعلمه ، وبهرتْهم شخصيّتُه الأخلاقية والإنسانية ، كما أن انتسابه إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عزَّز من مكانته في قلوب المسلمين .
كان هشام يفكر في القضاء على الإمام ، وأخيراً سنحتْ له الفرصة فدسّ له السمّ ، واستشهد الإمام في 7 ذي الحجة سنة 114 هجرية . بعد أن عاش 57 سنة قضاها في التقوى والصلاح وخدمة الإسلام والمسلمين ونشْر علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) .

من كلمات المضيئة :

1.  ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر إلاّ نقص من عقله .
2. عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد . . والله لموت العالم أحبّ إلى إبليس من موت سبعين عابداً .
3. قال لأحد أولاده : يا بني إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شرّ ، إنّك إن كسلت لم تؤدِّ حقاً ، وإن ضجرت لم تصبر على حق .
4. كفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه ، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحوّل عنه وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه .
5. قال لأحد أصحابه : أوصيك بخمس : إن ظُلمت فلا تَظلم ، وإن خانوك فلا تخُن ، وإن كُذبت فلا تغضب ، وإن مُدحت فلا تفرح ، وإن ذممت فلا تجزع .

هوية الإمام :

الاسم : محمّد .
اللقب : الباقر .
الكنية : أبو جعفر .
اسم الأب : السجّاد ( عليه السلام ) .
تاريخ الولادة : 1 رجب سنة 57 هجرية .
محل الولادة : المدينة المنورة .
تاريخ الشهادة : 7 ذي الحجة سنة 114 هجرية .
محل الدفن : البقيع / المدينة المنورة .

المصدر 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق